June2010Banner

 


التاجرالصغير

 

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: نور الرشدانجاء
جاء الصيفُ وأغلقتِ المدارسُ أبوابَها، ومضى الطلابُ في رحاب مختلفة، فمنهم من قعد في بيته ويخرج أحياناً إلى الشارع ليلعبَ الكرةَ أو ألعابًا أخرى مع رفاقه، ومنهم من مضى إلى دكان أبيه يعمل فيه، ومنهم من سافر مع أهله في سياحة أو اصطياف، ومنهم من انتسب إلى مدرسة صيفية يحاولُ أن يستبقَ الوقتَ وأنْ يحصِّلَ من المعرفة ما يستطيع، أو أن يثبتَ ما تلقى من العلوم في مدرسته في أثناء السنة الماضية.
التقى سمير وعدنان بعد بداية العطلة الصيفية بثلاثة أيام، وسألَ سميرُ صديقَه عدنانَ: ماذا ستصنع في هذا الصيف؟ فأجابه عدنان: إنَّك تعلمُ أنَّ أبي مريضٌ، وأنَّ عملَه أصبح ضعيفًا، لا يكاد يفي بنفقات العائلة، ولن تمضي إلا بضعة أشهر حتى نعودَ إلى المدرسة وهي تحتاج إلى نفقات كثيرة: من ملابسَ وكتبٍ ودفاترَ وأقلامٍ إلى آخرِ المصروفات التي تعرفها، وأنا لا أريد أن أرهقَ أبي بها ولعلَّه يعجزُ عنها، لذا قرَّرتُ أن أعملَ وأكسبَ بعضَ المالِ، وقال سمير: وما يمكنك أن تعملَ، وأنَّ مَنْ كان مثلنا فإنَّه لا يتقنُ عملاً! وقال عدنان: إنك مخطئ يا صاحبي، فإننا نستطيع أنْ نعملَ الكثيرَ، والمهم أنْ نثقَ بالله ونتوكلَ عليه، ثم نثق بأنفسنا، فأنا مثلاً سأبيع درَّاجتي وسأشتري من ثمنها مجموعةً من المناشف، وسأطوف بها في الأسواق وأماكن الصناعة، وكورشات الصياغة، وإصلاح السيارات، واللحامين، والمطاعم، فإنَّ هؤلاء يحتاجون إلى المناشف ويشترون.
ذهب عدنان إلى سوق الجملة وقد وضع ثمن الدراجة في جيبه، فاشترى ربطةً من المناشف واستخرج منها ثلاثة مناشف، ثم مضى في الأسواق يروِّج لبضاعته، ولم يمضِ اليومُ إلا وقد باع الربطة. وفي اليوم التالي اشترى عدنان مجموعةً أخرى وطاف بها، وكان كلَّما نفدتِ البضاعة اشترى غيرها. حتى إذا انقضتِ العطلةُ الصيفيةُ فأحصى عدنان ما ربح فإذا هو مبلغٌ كبيرٌ، وعرف السرَّ في ذلك، فقد كان يسير على قاعدة: البيعُ الكثيرُ بالرِّبحِ القليلِ، فحمد اللهَ على ما رزقه، واقتطع قسمًا من المال لمصروف السنة المقبلة، واحتفظ بقسم للعمل في الصَّيف المقبل، وقدَّم باقي المال لأبيه الذي سُرَّ من عمله ودعا له بالتوفيق.
مضى العام الدراسي سريعًا، وكان عدنان سعيدًا لأنه لم يرهقْ أباه بنفقات المدرسة، وقد هيأ له شراؤه ما يحتاج إليه من الكتب أنْ يتقنَ دراستَه ويكونَ من المتفوقين.
وجاءتِ العطلةُ الصيفيةُ الجديدةُ، وكان عدنان قد خطَّطَ لعملٍ جديدٍ، فقد مضى يطوف في أسواق بيع القماش والملابس حتى وجد محلاً يكاد يكون فارغًا، وصاحبه رجل عجوز، فعرض عليه أن يستأجرَ منه طرفًا من المحل ليبسطَ عليه بضاعتَه، لقاءَ أجرٍ مغرٍ، ووجد العجوزُ العرضَ مغريًا فوافق. ومضى عدنان إلى سوق بضائع الجملة فاشترى أنواعًا مختلفةً من البضائع، كالقمصان، والسراويل، والجوارب، والمناشف، والمحارم إلخ... وعاد بالبضاعة إلى المحل فبسطها، وبذلك تطورتْ تجارة عدنان، ولم يأتِ آخر الصيف والعودة إلى المدرسة إلا وكان لدى عدنان مبلغٌ كبيرٌ من المال يؤهله لافتتاح محلٍ منفردٍ، ولكنه آثر الدراسةَ ليجمعَ بينَ العملِ الحرِّ والدراسة.
ودارت الأيام وكَبُر عدنان وكَبُرتْ تجارتُه، وتخرَّج في المدرسة، وبحث عن دكانٍ مناسبٍ فاشتراه وزوَّده بما يحتاج إليه من البضائع، لكن حلمه الأول كان إتمامَ دراسته الجامعية، وهو بحاجةٍ إلى مَنْ ينوب عنه في المحل إبان ذهابه إلى الجامعة، وجاءت الفرصة، بتوفيق الله تعالى، فقد رأى عدنانُ صديقَه سميرًا عرضًا، وحينَ سأله عن أخباره أجابه بأنه لم يُقبَلْ في الجامعة لقلة علاماته، ولم يجدْ عملاً، فعرضَ عدنانْ على سمير أن ينوبَ عنه في إدارة المحل وبأجرٍ مجزٍ، فوافق سمير مسرورًا.
واتَّسعتْ تجارة عدنان مع ارتقائه في سلم العِلْم، وحين حصل عدنان على درجة الدكتوراه كانت شركته من أكبر الشركات في السوق، وكان شعاره دائمًا: لا شيء مستحيلاً مع الاستعانةِ باللهِ وحُسْنِ العمل.